20 - 10 - 2024

في الذكرى السادسة لرحيلها | شادية من الطفولة إلى الحجاب في مرآة الشاعر محمد حمزة

في الذكرى السادسة لرحيلها | شادية من الطفولة إلى الحجاب في مرآة الشاعر محمد حمزة

كان الشاعر والكاتب الصحفي محمد حمزة (1934-2010) شاهداً على أحداث عصره الفنية يدونها في كلمات قليلة تحت عنوان "شنطة حمزة"، في أسلوب شيق وجذاب لا يقل عن مفرداته الشعرية، وقد خص بعض أعلام الغناء والفن بكتب مثل: "العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ"، و"شادية من الطفولة إلى الحجاب"، و"ليلي علوي"، و"شنطة حمزة"، وهناك المئات من هذه المقالات ينتظر جمعه ليطبع في كتب تتمة للفائدة.. 

وكتابه عن شادية، جاء تحت عنوان "شادية من الطفولة إلى الحجاب"، وقال في مقدمته: "شادية .. رحلة طويلة من العطاء الفني والإنساني.. بدون حدود، لأن شادية الفنانة لم تنفصل لحظة واحدة عن شادية "الإنسانة".. شادية.. رحلة طويلة بالكفاح والنجاح والصدق والالتزام والاحترام من البداية إلى القمة. شادية.. رحلة حب مستمرة توجتها بالعشق الإلهي.. شادية.. صفحات ناصعة البياض لكتاب مفتوح"، ثم أخذ يتحدث عن نشأتها، حيث ولدت في 9 فبراير سنة 1931، لأب يعمل مهندساً زراعياً بالخاصة الملكية، وقد انتقل حديثاً إلى القاهرة وبالتحديد في حي شبرا، بعد أن عمل بعدة أماكن في أرجاء القطر المصري مثل: أنشاص بالشرقية، وفي مدينة طنطا بالغربية، وذكر أنها أغرمت بالموسيقى والغناء وهي مازلت طفلة صغيرة وذلك في السابعة من عمرها، وقد تأثرت بجارتهم الأستاذة حكمت التي تعمل مدرسة للموسيقى بمدرسة الفرير، وكشف عن سر ارتباط الطفلة الصغيرة بالتواجد بصفة مستمرة بشقة السيدة حكمت وهو حب فاطمة للعزف على البيانو الموجود عندها، وقد تلقت عليها مباديء العزف عليه بطريقة علمية، ثم تلتحق في الحادية عشر من عمرها بمدرسة الحلمية الجديدة الابتدائية، وتحصل على الشهادة الابتدائية عام 1945.

ثم يذكر عزمها على تحقيق حلمها وهو العمل بالفن، عندما أعلنت إحدى المجلات الفنية عن مسابقة فنية في 13 مايو 1947 لاختيار وجوه جديدة، وتقدم لهذه المسابقة أكثر من 300 متسابق، ومن بين من تقدموا لهذه المسابقة الفنان كمال الشناوي، وعفاف شاكر الأخت الكبرى لشادية، فتظهر النتيجة وتحصل على أعلى الأصوات، وكان المخرج أحمد بدرخان من بين أعضاء اللجنة وسارع إلى التعاقد معها لمدة خمس سنوات من خلال عقد احتكار، يدفع بموجبه 25 جنيها شهرياً، دون أن يقدمها في أي عمل فني.

وفي هذا الوقت قرر المخرج حلمي رفلة دخوله مجال الإنتاج السينمائي، ويقوم بإعداد فيلم لمحمد فوزي بعنوان "العقل في أجازة"، وبينما يفكر حلمي رفلة في اختيار البطلة التي تقف أمام محمد فوزي يتذكر فجأة الفتاة التي فازت بالمركز الأول في المسابقة، فيتصل فوراً بالمخرج أحمد بدرخان الذي تعاقد مع هذا الصوت، وقد صرف نظره عن قصة الإنتاج، ووافق بدرخان وعهد رفلة إلى الممثل الكبير عبد الوارث عسر بتدريبها على الإلقاء السليم، وهذا كانت تزحف بخطوات سريعة نحو المجد وفتحت لها السينما ذراعيها. 

ثم خصص فصلاً من كتابه عن "الإشاعات والحب والزواج وحلم الإنجاب"، فقد لازمت الإشاعات شادية في حياتها الأولى عندما مثلت عدة أفلام أمام النجم كمال الشناوي، وكان لابد أن يصاحب هذا النجاح الكبير شائعات عن وجود قصة حب بينهما وعن قرب زواجهما، وقد استمرت هذه الشائعات عدة سنوات، وكانت أول شائعة تنطلق حول شادية منذ اشتغالها بالحقل الفني، إلى أن أخمدت هذه الشائعات عندما تزوجت شادية من الممثل عماد حمدي في 22 يوليو 1953، وقد استمر الزواج بينهما أربع سنوات، ثم نالتها إشاعة أخرى وهذه المرة مع فريد الأطرش ولم يخمد الإشاعة إلا زواج شادية من المهندس عزيز فتحي في بداية عام 1958، وقد حدث الطلاق في نهاية العام، وعقب الطلاق رشحتها الإشاعات للزواج من أسماء عديدة من أمثال: مصطفى أمين، ومحمد الموجي، وبليغ حمدي، ثم خمدت تلك الإشاعات بعد زواج شادية من النجم صلاح ذو الفقار، وفي هذه الزيجات كان حلم الأمومة يراودها وحملت من الأزواج الثلاثة ولكن كان الحمل لا يتم .. ثم يذكر حمزة أن شادية تمارس الأمومة بلا أبناء، فعقب طلاقها من زوجها الثالث صلاح ذو الفقار قررت عدم خوض تجربة الزواج للمرة الرابعة.. واكتفت بتربية أبناء إخوتها إلى أن تخرج كل منهم.

 ثم خصص فصلاً بعنوان "السينما- المسرح- التليفزيون- الإذاعة"، فتناول تاريخها في السينما بحرفية ناقد متمرس، شاهد أفلامها بعمق وتركيز ولم يكن حديثه عابراً، فتحدث عن أن بداياتها في السينما لم تكن في فيلم "العقل في أجازة" كما هو شائع ومتداول، ثم تناول الشخصيات المحورية التي أدتها في اشهر أفلامها التي هي علامة من علامات السينما المصرية، فشادية لم تكتف بالغناء في الأفلام ولكنها كانت ممثلة بارعة ظلت النجومية تلازمها حتى اعتزلت وهي في أوج المجد. 

وقف محمد حمزة طويلاً عند شخصيات بارزة قامت بتجسيدها في العديد من أفلامها وكانت علامة من علامات السينما المصرية، مثل حميدة في فيلم "زقاق المدق"، ونور في "اللص والكلاب"، وكريمة في "الطريق"، وزهرة في "ميرامار" وفؤادة في "شيء من الخوف".. وذكر حمزة أن أي ممثل أو مطرب كان يلجأ إلى شادية نجمة الشباك وأيقونة النجاح في أول أفلامه، مثلما فعل الممثل والمطرب اللبناني محمد سلمان في فيلم "قدم الخير"، وكارم محمود في فيلم "خبر أبيض"، ومنير مراد في فيلمه الأول "أنا وحبيبي"، والثاني "نهارك سعيد"، ثم عبد الحليم حافظ في أول أفلامه "لحن الوفاء"، وفريد الأطرش في فيلم "أنت حبيبي"، وعندما ظهر المطرب كمال حسني اختار له المخرج إبراهيم عمارة شادية لتمثل أمامه، وحرصت في كل هذه الأفلام أن تغني "دويتو" مع بطل الفيلم المطرب. كما تحدث محمد حمزة عن مراحل عملها بالسينما من الفتاة الدلوعة إلى المرأة الناضجة التي قدمت دور الأم ثم قدمت دور الفتاة الشعبية وغنت في هذه الفترة المزيد من الأغنيات الشعبية لتواكب هذه المرحلة.

ثم تحدث عن تجربتها بالإذاعة وقد قدمت العديد من المسلسلات الناجحة مثل: "نحن لا نزرع الشوك"، و"صابرين"، و"سنة أولى حب"، وغيرها.. ثم تحدث عن تجربتها المسرحية الوحيدة في "ريا وسكينة".

 ثم يأتي أهم فصول الكتاب وجاء تحت عنوان "أسرار شادية العشرة": والسر الأول هو أن شادية ارتدت الحجاب لأول مرة عام 1954 في فيلم "وداع في الفجر"، حينما أدت أغنية "قل أدعو الله" وقد استمر تصوير هذه الأغنية أربعة أيام في عدد من المساجد المختلفة، وكانت شادية تعود إلى منزلها بزي المحجبات الذي تصور به الأغنية لإعجابها الشديد به، وقد ظلت شادية تحتفظ به وتستعمل الطرحة في الصلاة لعدة سنوات.

والسر الثاني: أداء شادية للعمرة لأول مرة في أوائل السبعينات، وأدت شادية العمرة مرتين بصحبة والدتها، ثم أدت العمرة مرة ثالثة في منتصف السبعينيات عندما كانت متزوجة من الفنان صلاح ذو الفقار.

 والسر الثالث: اسم شادية في شهادة الميلاد فاطمة، حيث لم يناديها به أي إنسان منذ ميلادها.. فقد كانت الأسرة تناديها باسم الدلع "فتوش" الذي اختاره لها والدها، أما الأصدقاء فكانوا ينادونها باسم "شوشو"، أما الجمهور فكانوا ينادونها بشادية، مما جعل اسم فاطمة اسما على الورق فقط. 

 السر الرابع: حلمها بالأمومة ورغبتها في الإنجاب وحملت من كل أزواجها (عماد حمدي، وعزيز فتحي، وصلاح ذو الفقار) ولكنها فشلت في الاحتفاظ بالجنين.. 

 السر الخامس: في عام 1959، سجلت شادية أغنية باسم "إشاعة"، وتقول كلماتها: في كل ثانية/وفي كل ساعة/ تطلع علينا مليون إشاعة/ بيقولوا عنا بنحب بعض/ خايفة الحكاية لتبقى جد/ ولو إن قلبي عنده المناعة. وعندما انتشرت في هذه الفترة "إشاعة" عن وجود حب بينها وبين فريد الأطرش، طلبت من الإذاعة حذف الجزء "خايفة الحكاية لتبقى جد"، وعندما رفضت الإذاعة هذا الحذف، قامت شادية بوقف الأغنية نهائياً ولم تر النور بعد ذلك. 

السر السادس:فيلم "العقل في إجازة لم يكن أول أفلام شادية ولكن سبقت لها تجارب وإن كانت بسيطة، فقد قامت بعمل دوبلاج بصوتها لأغنية تؤديها الممثلة حكمت فهمي في فيلم "المتشردة" الذي أخرجه محمد عبد الجواد، ثم قامت بتصوير أغنية بدلاً من أحدى المطربات اللبنانيات عام 1946، في فيلم "أزهار وأشواك"، وفي المرتين السابقتين لم يكتب اسم شادية، لذلك اعتقد البعض أن أول أعمالها هو فيلم "العقل في أجازة".

السر السابع: تعد شادية أكثر المطربات غناء للأمومة والأطفال في أفلامها، فقد غنت في أفلامها أغنيات: "يا نور عيني"، و"اسم الله عليك"، و"برجالاتك"، و"بسبس نو"، و"سيد الحبايب يا ضنايا" وغيرها.

السر الثامن: من أبرز هوايات شادية مشاهدة الحيوانات والطيور في الصباح، وكانت شقتها تقع بمواجهة حديقة االحيوانات، لذا تستيقظ صباحا وأول شيء تفعله هي أن تجلس في شرفة شقتها لتشاهد الحيوانات والطيور على طبيعتها قبل قدوم الزائرين إلى الحديقة.

السر التاسع: كانت شادية ترفض نظام "التراكات" الذي ظهر منذ بداية السبعينات وهو تسجيل الموسيقى أولا ثم تركيب الصوت فوق الموسيقى وقد اتجه معظم المطربين إلى هذا النظام أما شادية فقد أصرت على أن تغني بمصاحبة الفرقة الموسيقية، لأنها تعتبر تسجيل الموسيقى منفصلة والصوت منفصلا هو إيجاد عمل غنائي ينقصه الإحساس

السر العاشر: لم تحرم شادية من كلمة ماما لعدم إنجابها .. فقد ظل أبناء شقيقتها طاهرة ينادونها بلقب "ماما" طوال فترة إقامتهم معها، حيث قضوا معظم فترات طفولتهم وصباهم في منزل شادية، التي قامت بتخصيص غرفتين لهما في شقتها، وكانت تقوم بنفسها بترتيب الغرفتين، ووضع العرائس والظهور في كل غرفة من الغرفتين.

ثم نلتقي في الفصل قبل الأخير وهو بعنوان "شادية وسنوات القمة والاعتزال"، حيث قسم حياتها الفنية إلى خمسة مراحل: المرحلة الأولى وكانت مرحلة الفتاة المرحة الشقية، ابنة العشرين وقد اختارت نوعية من الأفلام تتسم بالمرح والشقاوة، ثم المرحلة الثانية: وقد بدأت بداية طبيعية في فيلم "موعد مع الحياة"، حيث تطور دورها التمثيلي في هذا الفيلم من فتاة شقية إلى تراجيديا عنيفة، أما المرحلة الثالثة: فهي مرحلة النضوج الفني حيث قامت بدور حميدة في "زقاق المدق"، وقدمت أيضاً أعمالا أخرى مستمدة من الأعمال الأدبية الرائعة ومعظمها لأديب نوبل نجيب محفوظ، وفي هذه المرحلة غنت أغنيات مستمدة من الفولكلور وكتب بعضها حمزة ولحنها بليغ حمدي. 

وفي المرحلة الرابعة: أصبح لدى الجمهور نجمتان نجمة اسمها شادية الممثلة ونجمة اسمها شادية المطربة، وقد أدت في هذه المرحلة أجمل أفلامها، فذهب الجمهور إلى دور العرض لمشاهدة شادية الممثلة، على جانب آخر كان الجمهور يملأ حفلاتها الغنائية.

وفي المرحلة الخامسة: قدمت شادية العديد من الأغنيات وهي من اصدق من غنى لمصر حتى أطلق عليها صوت مصر. أما المرحلة الأخيرة فكان خاتمة أغنياتها "خد بإيدي"، ثم قرار اعتزالها.. ثم ختم محمد حمزة كتابه بفصل بعنوان "شخصيات في حياة وقد استغرق 90 صفحة أي أكثر من نصف الكتاب البالغ 160 صفحة من القطع الوسط.. تحدث عن علاقاتها بأعلام عصرها من الرموز السياسية والفكرية والفنية وفي عالم التمثيل والموسيقى والغناء، من أمثال: جمال عبد الناصر، ويذكر موقفين لها معه الأول عندما قررت أن تسافر إلى أمريكا لزيارة أختها عفاف، وقبل مغادرتها للبيت كانت تستمع إلى الإذاعة فعلما بنبأ رحيل جمال عبد الناصر فانخرطت في البكاء وألغت سفرها، ثم كتب لها محمد حمزة كلمات ترثي بها جمال، ولحنها بليغ حمدي تقول: 
متقولوش الشمعة دابت متقولوش ده غاب الضي

مهما يغيب اللي بنى مهما يغيب في قلوبنا حي

عايش ... زي مصر وزرعها

عايش ... زي طلعة شمسها

عايش ... زي ضحكة ولادها

عايش ... زي نيلها وفجرها

عايش ... زي الأمل في قلوبنا لكل بكرة جاي

ومتقولوش ومتقولوش

 ثم الموقف الثاني عندما كتب حمزة أغنية "يا حبيبتي يا مصر" تلحين بليغ واعترض بعض أعضاء اللجنة بالإذاعة بحجة أن اسم الدولة الجمهورية العربية المتحدة، ووافق جلال معوض على مسئوليته وعندما التقاها جمال طلب منها أن تغني "يا حبيبتي يا مصر". 

ثم تناول محمد حمزة علاقتها بعبد الحليم وفاتن حمامة وكمال الشناوي وشكري سرحان وعبد المنعم مدبولي ومحسن سرحان وحسين كمال، وفريد شوقي، وحسن الصيفي، وعمار الشريعي، ويسرا، وعاطف سالم، وأشرف فهمي، ومحمود مرسي، ورشدي أباظة، ومديحة يسري، ومحمد علوان، وأمينة رزق، ومنير مراد.
-----------------------------
عرض: أبو الحسن الجمال * 
*كاتب ومؤرخ مصري